إدارة الإفتاء

ادّعاء الزوج بعد انتهاء عدة مطلقته وزواجها بآخر إرجاعها أثناء العدة


ادّعاء الزوج بعد انتهاء عدة مطلقته وزواجها بآخر إرجاعها أثناء العدة
 

إذا طلَّق الرجل امرأته طلاقاً رجعياً وانتهت عدتها , وتزوجت بآخر , ثم جاء الزوج الأول وادَّعى أنه قد أرجعها في زمن العِدَّة ، فهل ترد إليه أو لا , وما حكم الزواج الثاني ؟

تباينت أقوال الفقهاء واختلفت وجهات نظرهم حيال هذه الصورة , وذلك على النحو الآتي :

مذهب الحنفية :

يرى الحنفية رحمهم الله تعالى أن الزوج  في هذه الحالة إذا أقام البيِّنة على ما ادعاه , أو صدقته الزوجة  في دعواه فهي امرأته وترجع إليه ، سواء دخل بها الزوج الثاني أو لم يدخل , ويُفرَّق بينها وبين الثاني ؛  لأن الرجعة قد وقعت في زمن يصح مراجعته إياها فيها ولو كانت لا تعلم بذلك,  فتزوجها الثاني حال كونها امرأة للأول ، فلم يصح زواجه منها.

أما إن كذَّبته وليس له بينة تصدقه ؛ فالقول قول المرأة بغير يمين عند أبي حنيفة , وعند أبي يوسف ومحمد : تُستحلف ؛ لأنه أخبر عما لا يملك إنشاءه في الحال ؛ لأنه لا يملك الرجعة بعد انقضاء العدة ، فصار كالوكيل بعد العزل إذا قال : قد بعت ، وكَذَّبه الموكِّل([1]).

يقول الإمام السَّرخسي رحمه الله : «فإذا انقضت عدَّتها ثم أقام الزوج البينة أنه قال في عدتها : قد راجعتها ، أو أنه قال : قد جامعتها ، كان ذلك رجعة ؛ لأن الثابت بالبينة كالثابت بالمعاينة . وهذا من أعجب المسائل ؛ فإنه يثبت إقرار نفسه بالبينة بما لو أقر به للحال لم يكن مقبولاً منه , وإن لم تكن له بينة وكذبته المرأة فأراد أن يستحلفها فلا يمين له عليها في قول أبي حنيفة - رحمه الله تعالى-، وفي قول أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله تعالى - عليها اليمين » ([2]).

ويقول الإمام الكاساني رحمه الله : « ولو راجعها ولم يُعْلِمها حتى انقضت مدّة عِدَّتها وتزوجت بزوج آخر ، ثم جاء زوجها الأول ، فهي امرأته سواء كان دخل بها الثاني أو لم يدخل ، ويُفرَّق بينها وبين الثاني ؛ لأن الرجعة قد صحت بدون علمها ، فتزوجها الثاني وهي امرأة الأول ، فلم يصح» ([3]).

 

ويقول أيضاً : « وإن قال بعد انقضاء العدة ، فالقول قولها ؛ لأنه أخبر عما لا يملك إنشاءه في الحال ؛ لأنه لا يملك الرجعة بعد انقضاء العدة ، فصار كالوكيل بعد العزل إذا قال : قد بعت وكذَّبه الموكِّل ، ولا يمين عليها في قول أبي حنيفة ، وعند أبي يوسف ومحمد : تُستحلف ... ، فإن أقام الزوج بيِّنة قُبِلت ببينته ، وتثبت الرجعة ؛ لأن الشهادة قامت على الرجعة في العدة فتُسمع»([4]).

وجاء في مجمع الأنهر : «ولو قال الزوج بعد انقضاء العدَّة : كنت راجعتك فيها ؛ أي في العدة، فصدَّقته المرأة صحَّت الرجعة ؛ لأن النكاح يثبت بتصادقهما ، فالرجعة أولى ... ، وإن لم تصدقه فلا تصح الرجعة لأنه يدَّعي ولا بينة له ، ولا يملك الإنشاء في الحال وهي منكرة ، فالقول قول المنكر ، ولا يمين عليها على قول الإمام ؛ لأن الرجعة من الأشياء الستة التي لا يمين فيها عنده خلافاً لهما، فلو أقام بعد العِدَّة أنه قال في عدتها قد راجعتها، أو أنه قال قد جامعتها ، كانت رجعة، كما لو قال فيها كنت راجعتك أمس وإن كذبته»([5])
 

ثانياً : مذهب المالكية :

أما المالكية رحمهم الله فيقولون : إذا أقام الأول البيِّنة على صِدق مُدَّعاه من الرَّجعة , ولم يكن الثاني  قد دخل بها , فروايتان عن مالك : 

الأولى : أن الأول أحق بها , والثانية : أن الثاني أحق بها .

أما إذا كان الثاني قد دخل بها , فلا سبيل للأول عليها , لكن خالف في ذلك أبو بكر الأبهري؛ لأن الله جعل الأول مالكاً لرجعتها وهو قد ارتجعها ([6]).

يقول ابن عبد البر رحمه الله : «وإن كانت قد تزوجت ولم يدخل بها زوجها ثم أقام الأول البينة على رجعتها ؛ فعن مالك في ذلك روايتان ؛ إحداهما : أن الأول أحق بها , والأخرى : أن الثاني أحق بها . فإن كان الثاني قد دخل بها فلا سبيل للأول إليها» ([7]).

غير أنه ذكر في الاستذكار رواية لسحنون عن ابن القاسم : أن مالكاً رحمه الله رجع قبل موته بعام فقال : الأول أحق بها ما لم يدخل الثاني ([8]) .

وقال في مواهب الجليل : «ومن كتب إلى زوجته بطلاقها ، ووصل ذلك إليها ، وارتجعها ، ولم يصل إليها ارتجاعه إياها حتى انقضت عدتها ، وتزوجت ، فلا سبيل له إليها . قال أبو بكر : ولست آخذ به ؛ لأن الله جعله مالكاً لرجعتها ، وقد ارتجعها» ([9]).

ثالثاً : مذهب الشافعية :

ذهب الشافعية رحمهم الله تعالى إلى أن الزوج إذا أقام البينة على صِدْق دَعواه , نُزعت الزوجة من الثاني وسُلمت له , سواء دخل بها الثاني أو لم يدخل , لكن يثبت لها مهر المثل إن كان دخل بها, ولا تحل للأول حتى تنقضي عدتها من الثاني , وإن لم يكن دخل بها فلا شيء لها .

أما إذا لم تكن له بيِّنة فإن له الدعوى بالرجعة عليها , وكذا على الزوج الثاني - على المعتمد من المذهب - , فإن بدأ بها في الدعوى فأنكرت فله تحليفها ، فإن حلفت سقطت دعواه , وإن أقرَّت له لم يقبل إقرارها على الزوج الثاني ما دامت في عصمته ؛ وذلك لتعلق حقه بها , وهل يجب عليها في هذه الحالة مهر المثل للأول؟ وجهان حكاهما ابن الصباغ كما ذكر الإمام النووي : 

أحدهما: لا يلزمها له شيء ؛ لأن إقرارها لم يقبل بحق الثاني، فلم يلزمها غرم ؛ كما لو ارتدت أو قتلت نفسها .

والثاني : أنه يلزمها للأول المهر ؛ لأنها أحالت بينه وبين بضعها وذلك بإذنها في نكاح الآخر أو تمكينه , فإن زال حق الثاني بنحو موت أو فسخ أو طلاق , رجعت إلى الأول بغير عقد , ويُرد عليها ما أُخذ منها.

وإن بدأ بالزوج في الدعوى فأنكر الزوج دعواه , فالقول قوله (الزوج الثاني) بيمينه ؛ لأن العدة قد انقضت , والنكاح وقع  صحيحاً في الظاهر ، والأصل عدم الرجعة .

وإن أقر الزوج له , أو نكل عن اليمين , وحلف الزوج الأول اليمين المردودة عليه , بطل النكاح الثاني, لكنه مع ذلك لا يستحق الزوجة ولا تسلم إليه إلا بإقرارها له, أو حلفه بعد نكولها, وحينئذِ يكون لها على الثاني مهر المثل  بما استحل من فرجها . ([10])

يقول الخطيب الشربيني رحمه الله : (أما إذا نكحت غيره وادَّعى مطلقها تقدم الرجعة على انقضاء العدة ، فله الدعوى بها عليها . وهل له الدعوى على الزوج لأنها في حياله وفراشه أو لا ؟ لما مر فيما إذا زوجها وليَّان من اثنين فادعى أحد الزوجين على الآخر سبق نكاحه ، فإن دعواه لا تسمع عليه الأوجه الأول ، كما جرى عليه ابن المقري . وأجيب عن القياس بأنهما هنا متفقان على أنها كانت زوجة للأول بخلافهما ثَمَّ ، وعلى هذا تارة يبدأ بالدعوى عليها وتارة عليه ، فإن أقام بيِّنة بمُدَّعاه انتزعها سواء بدأ بها أم به ، وإن لم يكن معه بينة وبدأ بها في الدعوى فأنكرت ، فله تحليفها ، فإن حلفت سقطت دعواه ، وإن أقرَّت له لم يقبل إقرارها على الثاني ما دامت في عصمته ؛ لتعلق حقه بها ، فإن زال حقه بنحو موت سُلِّمت للأول ، وقبل زوال حق الثاني يجب عليها للأول مهر مثلها للحيلولة ، بخلاف ما لو كانت في حيال رجل فادعى زوجيتها آخر فأقرت له به وقالت كنت طلقتني فإنه يقبل إقرارها له ، وتنزع له إن حلف أنه لم يطلقها . والفرق اتفاق الزوجين في الأولى على الطلاق والأصل عدم الرجعة بخلاف الثانية , نعم إن أقرت أولاً بالنكاح للثاني , أو أذنت فيه لم تنزع منه ، كما لو نكحت رجلاً بإذنها ثم أقرت برضاع محرم بينهما لا يقبل إقرارها.

وإن بدأ بالزوج في الدعوى فأنكر ، صُدِّق بيمينه ؛ لأن العدة قد انقضت والنكاح وقع صحيحاً في الظاهر والأصل عدم الرجعة , وإن أقرَّ له أو نكل عن اليمين وحلف الأول اليمين المردودة ، بطل نكاح الثاني ولا يستحقها الأول حينئذ إلا بإقرارها له أو حلفه بعد نكولها ، ولها على الثاني بالوطء مهر المثل إن استحقها الأول ، وإلا فالمسمى إن كان بعد الدخول ، ونصفه إن كان قبله »  ([11]).

 وجاء في حاشية الجمل : «فله الدَّعوى عليها وعلى الزوج على المعتمد ؛ لاتفاقهما على زوجية الأول ، فإن ادَّعى على الزوج فأنكر ، صُدِّق بيمينه لصحة العقد ظاهراً بعد انقضاء العدة وعدم الرجعة ، فإن أقرَّ أو نكل فحلف المدعي بطل نكاح الزوج ، ولها عليه مهر المثل إن استحقها المدعي ، وإلا فالمسمى أو نصف أحدهما ، ولا ترجع زوجة له إلا بإقرار جديد منها أو حلفه بعد نكولها . وإن ادعى عليها فإن حلفت سقطت دعواه ، وإن أقرَّت له أو نكلت فحلف غرمت له مهر المثل ؛ لحيلولتها بينه وبين حقه بإذنها في نكاح الآخر أو تمكينه ، ولا حدَّ عليه ؛ لأن إقرارها لا يسري عليه ، فإذا مات أو طلق رجعت للأول ، ويرد عليها ما أخذ . ولو أقام المدعي بينة برجعته قبل الانقضاء نزعت من الثاني وسلمت له ، ولها على الثاني مهر مثل إن وطئ ، وإلا فلا شيء . قوله (للحيلولة) أي فإذا مات الثاني عنها أو طلقها رجعت للأول بلا عقد واستردت منه ما غرمته له » ([12]).

رابعاً : مذهب الحنابلة : 

يرى الحنابلة رحمهم الله تعالى في هذه الصورة أن الزوج الأول إذا أقام البيِّنة على الرجعة فإن الزوجة تُسلّم إليه سواء دخل بها الثاني أم لا ؛ لأن رجعته صحيحة , ونكاح الثاني غير صحيح ؛ لأنه تزوج امرأة غيره كما لو لم يكن طلقها , لكن لا يطؤها المرتجع وهو الزوج الأول حتى تنقضي عدتها من الثاني ؛ لأنها معتدَّة من غيره , ولها على الثاني المهر بما استحل من فرجها إن كان دخل بها وإلا فلا شيء عليه .

وحكى المرداوي رحمه الله تعالى رواية أخرى في المذهب فقال : «وعنه : أنها زوجة الثاني إن كان أصابها ، نقلها الخرقي» ([13]) .

لكن المعتمد في المذهب هو الرواية الأولى , كما قال الزركشي (الحنبلي)رحمه الله , ونقلها عنه المرداوي في الإنصاف فقال : «قال الزركشي : هذا المذهب بلا ريب» ([14]).

أما إذا لم تكن له بيِّنة برجعتها , فلا تقبل دعواه ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : « لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ لاَدَّعَى نَاسٌ دِمَاءَ رِجَالٍ وَأَمْوَالَهُمْ ، وَلَكِنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ »([15]) , ولأن الأصل عدم الرجعة .

فإن لم تكن له بينة لكنها صدَّقته هي وزوجها  الثاني , رُدَّت إليه ؛ أي للأول ؛ لأن تصديقهما أبلغ من إقامة البينة , وإن صدَّقه الزوج  الثاني  فقط انفسخ نكاحه ؛ لاعترافه بفساده , ومع ذلك لا تُسلم الزوجة إلى الأول ؛ لأن قول الثاني لا يقبل عليها وإنما يقبل في حقه ، والقول قولها بغير يمين كما صححه  ابن قدامة رحمه الله .

ثم إن كان تصديق الثاني للأول في رجعتها قبل دخوله بها،  فلها عليه نصف المهر ؛ لأن الفرقة جاءت من قِبَلِهِ بتصديقه ، و إن كان تصديقه بعد الدخول فلها جميع المهر؛ لأنه استقر بالدخول .

وإن صدقته الزوجة وحدها في دعوى رجعتها , لم يقبل قولها في فسخ نكاح الثاني ؛ للحديث السابق , ولا يُستحلف الثاني كما هو اختيار القاضي أبي يعلى ؛ لأنه دعوى في النكاح , واختار الخرقي رحمه الله أن يحلف على نفي العلم .

فإن بانت من الثاني  بطلاق أو غيره كالفسخ لعُنَّة أو إعسار , رُدت إلى الأول بغير عقد جديد؛ لأن المنع من ردِّها إنما كان لحق الثاني .

ولا يلزمها مهر للأول بحال وإن صدقته , وقيل : يلزمها المهر له وهو اختيار القاضي أبي يعلى كما ذكر ابن قدامة رحمه الله ؛ لأنها أحالت بينه وبين بضعها بغير حق ([16]).

يقول البهوتي رحمه الله تعالى : « وإن ارتجعها المطلق وأشهد على المراجعة من حيث لا تعلم فاعتدت ثم تزوجت من أصابها ، رُدَّت إليه ؛ أي إلى الذي كان راجعها بعد إقامة البينة ؛ لأن رجعته صحيحة ؛ لأنها لا تفتقر إلى رضاها فلم تفتقر إلى علمها كطلاقها, ونكاح الثاني غير صحيح ؛ لأنه تزوج امرأة غيره كما لو لم يكن طلقها , ولا يطؤها المرتجع حتى تنقضي عدتها  من الثاني ؛ لأنها معتدة من غيره ، أشبه ما لو وطئت في أصل نكاحه ، ولها على الثاني المهر  بما استحل من فرجها .

فإن لم يصبها فلا مهر عليه … ، فإن لم تكن له ؛ أي المطلق بيِّنة برجعتها , لم تقبل دعواه ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : (لو يعطى الناس بدعواهم) الحديث , ولأن الأصل عدم الرجعة .

وإن صدقته هي وزوجها الثاني ردت إليه ؛ أي الأول ؛ لأن تصديقهما أبلغ من إقامة البينة ، وإن صدقه الزوج الثاني فقط انفسخ نكاحه ؛ لاعترافه بفساده , ولم تُسلَّم إلى الأول ؛  لأن قول الثاني لا يقبل عليها ، وإنما يقبل في حقه ، والقول قولها بغير يمين ؛ صححه في المغني ؛  لأنها لو أقرَّت لم يقبل , فإن كان تصديقه ؛ أي الثاني للأول في رجعتها قبل دخوله بها ، فلها عليه نصف المهر ؛ لأن الفرقة جاءت من قِبَلِه بتصديقه ، و إن كان تصديقه  بعده ؛ أي بعد الدخول بها ، فلها الجميع ؛ أي جميع المهر؛ لأنه استقر بالدخول . وإن صدقته ؛ أي الأول في دعوى رجعتها وحدها , لم يقبل قولها في فسخ نكاح الثاني ؛ للحديث السابق , ولا يُستحلف الثاني على ما اختاره القاضي؛ لأنه دعوى في النكاح ,  واختار الخرقي بلى فيحلف على نفي العلم .

فإن بانت منه ؛ أي من الثاني  بطلاق أو غيره لفسخ لعُنَّة أو إعسار , رُدَّت إلى الأول بغير عقد  جديد ؛ لأن المنع من رَدِّها إنما كان لحق الثاني ؛ كما لو شهد بحُرِّية عبد ثم اشتراه فإنه يعتق عليه , ولا يلزمها مهر للأول بحال وإن صدقته ؛ كما لو ارتدت أو أسلمت  تحت كافر  أو قتلت نفسها» ([17]).

خامساً : مذهب الظاهرية :

يرى الظاهرية رحمهم الله تعالى أن الزوج إذا طلق زوجته طلاقاً رجعيًّا, ثم أرجعها ولم يشهد على الرجعة , أو أشهد لكنه لم يعلم الزوجة بالرجعة - إذ الإعلام عنده واجب - حتى انقضت عدتها , فقد بانت منه ولا رجعة له عليها تزوجت أم لم تتزوج , دخل بها الزوج الثاني أم لم يدخل .

قال في المُحَلَّى : « وأما قولنا إنه إن راجع ولم يشهد أو أشهد ، ولم يعلمها حتى تنقضي عدتها، غائباً كان أو حاضراً ، وقد طلقها وأعلمها وأشهد ، فقد بانت منه ، ولا رجعة له عليها إلا برضاها ، بابتداء نكاح بولي وإشهاد وصداق مبتدأ ؛ سواء تزوجت أو لم تتزوج ، دخل بها الزوج الثاني أو لم يدخل . فإن أتاها الخبر وهى بعدُ في العدة فهي رجعة صحيحة . برهان ذلك قول الله تعالى : ﴿يخادعون الله والذين آمنوا وما يخادعون إلا أنفسهم﴾ وقال تعالى: ﴿ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن﴾ ، وهذا عين المضارة . وقال رسول الله ﷺ: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رَدٌّ ) ؛ فمضارَّته مردودة باطلة »([18]) .

وبعد هذا العرض لمذاهب الأئمة وأقوال الفقهاء تجاه هذه المسألة , نخلص إلى ما يأتي :

أولاً : مذهب الحنفية : أن الزوج إذا أقام البينة على مُدَّعاه أو صدقته الزوجة , فهي زوجته وتُسلّم إليه , ويُفرّق بينها وبين الثاني , فإن لم تكن له بينة وكذبته فالقول قولها بغير يمين عند أبي حنيفة , وعند الصاحبين باليمين .

ثانياً : مذهب المالكية : أن الزوج إذا أقام البينة على مُدَّعاه , ولم يكن الثاني قد دخل بها فروايتان؛ الأولى : أنها للأول , والثانية : أنها للثاني .

أما إذا كان الثاني قد دخل بها فلا سبيل للأول عليها خلافاً لأبي بكر .

ثالثاً : مذهب الشافعية : أن الزوج إذا أقام البيِّنة على مُدَّعاه , نزعت الزوجة من الثاني وسُلِّمت إليه ، دخل بها الثاني أو لم يدخل , لكن إن كان دخل بها فلها مهر المثل وعليها العدة , وإن لم يكن دخل بها فلا شيء لها ,  فإن لم تكن له بينة فله الدعوى بالرجعة عليها أو عليه على المعتمد , وذلك على تفصيل مرَّ آنفاً .

رابعاً : مذهب الحنابلة : أن الزوج إذا أقام البينة على الرجعة سُلّمت الزوجة إليه ، سواء دخل بها الثاني أو لم يدخل,  لكن إن كان دخل بها فلها مهر المثل وعليها العدة , وإن لم يكن دخل بها فلا شيء , ونقل الخرقي رواية أخرى : أنها للثاني إن كان دخل بها , أما إذا لم تكن له بينة فلا تقبل دعواه .

خامساً : مذهب الظاهرية : أن الزوج إذا طلق طلاقاً رجعياً ولم يُعلم الزوجة حتى انتهت عدتها فقد بانت منه ولا رجعة له عليها ، تزوجت أم لم تتزوج , دخل بها الزوج الثاني أم لم يدخل .

وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

 

وحدة البحث العلمي بإدارة الإفتاء

22/7/2009 

__________________________________________________________

[1]))  بدائع الصنائع ( 3/181 , 185 ) ؛ المبسوط (  6/23) ؛  الهداية شرح البداية ( 2/7 ) ؛ البحر الرائق ( 4/56 ) ؛ حاشية ابن عابدين ( 3/441 )

( [2])  المبسوط ( 6/23 )

 [3]))  بدائع الصنائع ( 3/ 181 )

[4])) المصدر السابق ( 3/185).

([5]) مجمع الأنهر (2/82) .

[6])) الكافي في فقه أهل المدينة (1/515) ؛ مواهب الجليل (5/408) , الاستذكار (6/135) .

[7])) الكافي في فقه أهل المدينة (1/515) .

 ([8]) الاستذكار (6/135) .

([9])  مواهب الجليل (5/408) .          

([10]) مغني المحتاج (3/341) ؛ المجموع للنووي (17/275) ؛ حاشية الجمل على المنهج (9/71).

[11])) مغني المحتاج (3/341).

([12]) حاشية الجمل على المنهج (9/71).

[13])) الإنصاف (9/129)  .

([14]) المصدر السابق

([15]) صحيح مسلم (3/1336) - كتاب الأقضية , باب اليمين على المدعى عليه.

([16]) كشاف القناع (5/345) ؛ المغني (8/499) ؛ الإنصاف (9/129) .

([17]) كشاف القناع (5/345) .

([18]) المحلى (10/253) .

وزارة الاوقاف و الشؤون الاسلامية - دولة الكويت - إدارة الإفتاء